Saturday, May 12, 2007

المفاوضات حول مستقبل الصحراء الغربية امتحان لمصداقية الأمم المتحدة

المفاوضات حول مستقبل الصحراء الغربية امتحان لمصداقية الأمم المتحدة د. غالي الزبير

12/05/2007

وأخيراً انجلت المعركة الدبلوماسية التي دارت لأسابيع بين المغرب وجبهة البوليساريو بصدور قرار لقي ترحيب طرفي النزاع من جهة وترحيب جهات عديدة في المنتظم الدولي، وخلاصة القرار تكمن في دعوته المغرب والصحراويين إلي مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة. يحدد القرار هدف هذه المفاوضات بتحقيق حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، هذا الحق المؤجل علي مدار العقود الأربعة الماضية.المتابع غير العارف بحيثيات النزاع الصحراوي ـ المغربي قد يجد في هذا القرار وضعا للقاطرة علي مسارها الصحيح علي أمل أن تنطلق في عملية تنهي هذا النزاع الذي لا يزال يسمم الأجواء المغاربية وينذر بشرر لا يعلم إلا الله عواقبه، بعد أن خلف المآسي والضحايا من كل نوع، غير أن العارف بمتاهات النزاع و المطلع قبلاً علي تجارب مماثلة سبقت سيكون أقل تفاؤلاً بما يمكن أن تنتجه مثل هذه المفاوضات من حلول لقضية وصفها الأمين العام السابق بطرس بطرس غالي بأنها من أعقد القضايا رغم بساطتها الظاهرية لارتباطها بمصالح أطراف عديدة قوية التأثير .والمتوقع أن تشهد الأسابيع الأولي من شهر ايار (مايو) الحالي البدء في التحضير للمفاوضات التي أبدي كل طرف ترحيبه بها واستعداده للتعاون مع الأمم المتحدة لإنجاحها، ولكن كل طرف يتمني أن تكون المخرج الذي سيطابق ما يتمناه مع التناقض المبدئي بين موقف كل من المغرب الذي يريد منها أن تكون اعترافا دوليا بضمه للصحراء الغربية ـ وهو الشيء الذي لم يحصل عليه طوال فترة النزاع ـ والصحراويون الذين يريدون أن تكون سبيلاً إلي تمكين الشعب الصحراوي من اختيار مستقبله بحرية.ينبغي أن يكون المرء ساذجاً أو جاهلاً بتاريخ النزاع حتي يتوقع نتائج مبهرة من هكذا مفاوضات أو علي الأقل في مراحلها الأولي.فأولاً: يشترط قرار مجلس الأمن أن تكون هذه المفاوضات غير مشروطة ـ أي أن يأتي كل طرف وهو علي استعداد لمناقشة كل شيء دون أن يطرح أي سقف للمفاوضات ـ وهذا عين المستحيل لأن المغرب يؤكد من خلال خطته التي عرضها علي مجلس الأمن في شهر نيسان (ابريل) الماضي أنه مستعد لمنح الصحراويين كل ما يريدون عدا معالم السيادة ـ مفترضاً أن هذه السيادة مسلم بها له والحال غير ذلك ـ وجبهة البوليساريو مستعدة للتفاوض وربما التنازل عن أي شيء عدا حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وحرية اختياره.ولذافإن كل طرف سيأتي للمفاوضات ـ بداهة ـ مسلحاً بشروطه المسبقة بخلاف ما يدعو إليه قرار مجلس الأمن.ثانياً : يدعو مجلس الأمن إلي الدخول في مفاوضات بحسن نية. وهذا ما لا يمكن تصوره من طرفين يسعي كل منهما منذ عقود إلي فرض رؤيته وتصوره لمستقبل منطقة ما زالت مفتوحة علي كل الاحتمالات، فالصحراويون يرون في المغرب احتلالا غير شرعي ينتهك قرارات الشرعية الدولية في حين تري الرباط في جبهة البوليساريو عناصر انفصالية ، فما أصعب أن توجد نوايا حسنة في مثل هذه الحال.ثالثاً: اشتراط الأمم المتحدة أن يكون الحل متفقا عليه ويحظي بقبول طرفي النزاع. وهو ما يجعل المهمة شبه مستحيلة.وبعد أفلا يعلم مجلس الأمن بكل هذه الحقائق وهو يصدر قراره هذا الذي مر بولادة عسيرة ومخاض مؤلم؟ ثم ألا تتوقع الأمم المتحدة أن تكون هذه المفاوضات المزمعة حوار طرشان لاختلاف نظرة كل طرف إلي مسألة الصحراء الغربية؟المنطقي والحالة هذه أن مجلس الأمن يعي الاختلاف الجذري بين الرؤية المغربية للصحراء الغربية حيث يري المغرب أنه صاحب سيادة علي الصحراء الغربية ولا يمكن التنازل عن هذه السيادة علي الرغم من عدم وجود دولة واحدة أو منظمة دولية واحدة تقر بسيادة المغرب هذه علي الصحراء الغربية كما ورد في تقرير الأمين العام السابق كوفي عنان إلي مجلس الأمن في شهر كانون الثاني (يناير) من السنة المنصرمة. هذا من جهة ومن جهة أخري الموقف الصحراوي الذي يري أن قضية الصحراء الغربية هي قضية تصفية استعمار لم تتم وينبغي استكمالها من خلال منح الشعب الصحراوي حرية الاختيار وتمتيعه بحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير كما نصت عليه لوائح الأمم المتحدة منذ سنة 1963 وحتي اليوم وقرار محكمة العدل الدولية (16 تشرين الاول ـ أكتوبر 1975) وجدد التأكيد عليه المستشار القانوني للأمم المتحدة هانس كوريل في كانون الثاني (يناير) 2002.هل ستكون المفاوضات المقبلة هدفا في حد ذاته لا غاية ترتجي لإنهاء النزاع؟ وهل ستكون اجترارا لمفاوضات سالفة ستنتهي بدورها إلي التعثر بعد جلسات ودورات ماراثونية في انتظار حدوث تغيرات من نوع ما في موازين الصراع ما زالت في علم الغيب؟الأكيد في جميع الأحوال هو أن الأمم المتحدة من خلال تبنيها لخيار المفاوضات ووضعها لمبدأ تقرير المصير كهدف لهذه المفاوضات قد تمكنت من توصيف العلاج، فهل تتحلي بالصرامة المطلوبة لتنفيذه ووضع الأطراف أمام مسؤولياتها في رسم المسار الذي سيقود إلي تقرير المصير ووضع الآليات لتنفيذه، عنها وعندها فقط سيكون لقرار مجلس الأمن الصادر هذا الأسبوع مغزي وللمفاوضات المتوقعة نتائج وثمرات.الأيام القادمة ستكشف مدي جدية الأمم المتحدة في علاجها لهذه القضية وستضع مصداقية المنظمة الدولية وقدرات أمينها العام بان كي مون علي المحك ـ هل تنجح في تنفيذ قراراتها أم أنها ستكتفي كما حدث في مرات سالفة بالأماني والنوايا الحسنة؟ ولا بأس من أن نتتبع الكذاب إلي باب داره ـ كما يقول المثل المغاربي. ہ كاتب وباحث من الصحراء الغربية

No comments: